هكذا الأمل.. ينتظر أن يجدك موقنًا به حتى لا يودّعك، يتشبث بك أكثر كلما ازداد إيمانك به وإخلاصك له، يحتضنك ويمسك بيدك ليعبر بك ظلمات المحنة إلى موارد المنحة، يحملك فوق ظهره وسط صحراء الوجع وقفار المعاناة، فيمدك بالزاد والمتاع.. كل هذا لا مقابل له سوى شىء واحد: أن لا تُضبط متلبسًا بخيانته على سرير اليأس خالعًا عن نفسك ما كان يسترك من أثواب الأمل!!
صحيح أنها ليست المرة الأولى لى داخل السجن -المرة الـ19 تقريبًا- وصحيح أيضًا أننى لم توجعنى قبلًا فكرة بقائى خلف قضبان قاسية وسط زنزانة أضيق من ضيقة، لكن -للحق- معطيات هذه المرة تختلف عن كل مرة، رغم كونها الأكثر رفاهية على ما يبدو، فللمرة الأولى أدخل السجن وأترك «نورهان» -حبيبتى وزوجتى- وحدها فى المنزل بعد أن تزوجنا بشهر واحد، وهو ألم لم يكن من مكونات قائمة الآلام التى مررت بها وعرفتها على مدار حياتى القصيرة، وربما أود أن أعترف الآن أنه الأكثر قسوة ومرارة بينها جميعًا!!
ثانى المعطيات الجديدة، أننى أشعر للمرة الأولى كذلك بالخيانة تُمعن فى الطعن وتتفنن فى التعذيب -على الرغم من انتظارى لها- إلا أن ما كان يفعله مبارك أو مجلس عسكره من جرائم فى حق الثورة والوطن كان شيئًا مفهومًا ومتوقعًا جدًّا، لكن انقلاب الإخوان على الثورة -التى لم ينتموا إليها يومًا- شكّل صدمة من نوعٍ ما على الرغم من معاصرتى لكثير من خياناتهم وجرائمهم ونطاعتهم فى ما قبل الثورة، لكننى أعترف الآن أننى لم أكن أتصور -مطلقًا- أن يتورطوا إلى هذا الحد فى الدماء.. الأمر مختلف جدًّا عن جرائم السياسة والأخلاق، سفك الدماء التى أعرف أن حرمتها عند الله أعظم من هدم البيت الحرام حجرًا حجرًا، يتحول على يدهم -هكذا فجأة- إلى ممارسة يسيرة يرتكبونها يوميًّا، وكأنه وِرد عبادة، أو فريضة لإله مجهول يشركونه مع الله الذى حرّم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرّمًا، إله يحل لهم الكذب والسرقة والقتل، قتل الأوطان قبل ساكنيها.. والأحلام قبل الحالمين بها!!
وعلى الرغم من هذه المعطيات «المؤلمة» فإن الله بشّرنا بالنصر ووعدنا بالفرج، فما أجمل من أن نكون شركاء فى دفع ثمن الحرية التى ضحى لها شهداؤنا الأبرار، وما أروع أن نشارك فى صناعة مستقبل يخلو من الاستبداد.. القتل.. الديكتاتورية والقمع، مستقبل جدير بالعيش، يليق بالتضحيات التى قُدمت لأجله..
أعلم أن «نورهان» قادرة على مواجهة وجع الغياب باستحضار قيمة الحرية، وأنا قادرُ على التغلّب على قسوة الزنزانة باستحضار وجوه رفاقى الشهداء التى ستحرم على التراجع وتمنعنى عن التوقف.. والثورة -حتمًا- قادرة على الانتصار -قريبًا جدًّا- بدماء شهدائها.. وعزيمة معتقليها.. وعناد متمرديها الذين يتّخذون من فكرتهم وقودًا يوصلهم حتمًا إلى حيث يأملون.. المهم أن لا ننسى جميعًا.. نورهان وأنا والرفاق المعتقلين.. والمتمردين.. وكل عاشق للوطن، أن «اليأس خيانة».
AbouSalah
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=490230847711842&set=a.376284282439833.84116.376282945773300&type=1&relevant_count=1
Sent from my BlackBerry® from Vodafone
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق