كيف تعيش الأمهات العازبات في المغرب؟
سنة 1994 أنجز المخرج المغربي حكيم النوري فيلماً سينمائياً بعنوان "الطفولة المغتصبة". يحكي الفيلم واقعة اغتصاب خادمة قاصر، بطلها ابن الأسرة المشغّلة لها. الفيلم كان أول انتاج مغربي يتناول تابو اغتصاب الفتيات دون سنّ الرشد، ومشكلة الحمل الناتجة منه، التي تزج بالطفلة/ الأم في دوامة عالم غريب بدون هوية كاملة للمولود.
الأم العازبة، "المجرمة"
إن المرأة المغربية، التي تنجب طفلاً أو طفلة خارج مؤسسة الزواج، تُعدّ في نظر المجتمع "امرأة فاسدة"، وحاملة للقب "العار". وكذلك ابنها الذي يعتبره الناس مجرد "ابن حرام" و"ابن زنى". أما القانون المغربي، فيصف الأم العزبة بـ"المجرمة"، إذ تنصّ المادة 490 من القانون الجنائي المغربي على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زواج تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة".
لكن إذا كان لا يزال يُشار إلى المرأة التي تنجب بعيداً عن قناة الزواج الشرعي، بالـ"زانية" والـ"فاسدة"، وتُعاقب قانونياً، فإن تطور المجتمع المدني المهتمّ بشؤون المرأة، سجل قفزة كبيرة في تليين موقف المجتمع المغربي في التعاطي مع هذه الظاهرة. وذلك من خلال نعت هذه الفئة بـ"الأمّهات العازبات".
الشنا وإنقاذ الأمهات العازبات
الأمّهات العازبات هي عبارة تجد معناها في القاموس الفرنسي بـles mères célibataires وساهمت المناضلة المغربية عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسائي، في ترسيخ هذا المفهوم الجديد في المغرب، فأدّى ذلك إلى تغيير نظرة الكثيرين اتجاه هذه الفئة من المجتمع.
ففي أواسط التسعينيات من القرن الماضي، أسست هذه الجمعية مركزاً للاستماع والإرشاد لمساعدة وتوجيه النساء ضحايا الاغتصاب، واللواتي ينجبن أطفالاً في غياب الأب البيولوجي. الشنا، التي أسست جمعيتها سنة 1985، فتحت ذراعيها للأمّهات العازبات، وبدأت في تأطيرهن، من خلال تعليمهن ومساعدتهن على إيجاد مورد لإعالة أولادهن.
لكن تبقى ظاهرة تزايد الأمّهات العازبات في المغرب متعددة الأسباب. أوّلها يعزوه المهتمون بالظاهرة إلى الجهل، وغياب الوعي في العلاقات الجنسية، مستندين إلى أن عدداً كبيراً من الفتيات اللواتي لم يكملن دراستهن يسقطن فريسة لأول علاقة غرامية يرتبطون بها ويحملن. وعندما لا يتمّ الإجهاض، الذي يعاقب عليه القانون المغربي، تنتج العلاقة ولداً غير شرعي وغير معترف به قانوناً. يزاد على ذلك اعتبار العلاقات الجنسية مجرّد تابو، يتجنّب أفراد الأسرة الخوض فيه، وخاصة الأم مع ابنتها، ناهيك بغياب تلقين مبادئ التربية الجنسية في المدرسة، وإن وجدت فإنها تدرس بطريقة سطحية مغلفة بتابو "الحشمة" والعيب.
هناك من يعزو ذلك أيضاً إلى تنامي ظاهرة العزوف عن الزواج، خاصة في صفوف الرجال بسبب غياب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الملائمة.
بحثاً عن الأب البيولوجي
هي قصص مؤلمة سردتها بعض الأمهات العازبات، بمدينة الدار البيضاء، بدءاً من العلاقة غير الشرعية، مروراً بمغادرة بيت العائلة ومرحلة الوضع، ختاماً باللجوء إلى الجمعية التي تعنى بمساعدتهن. غير أن البعض منهن فضل ولوج عالم الدعارة، لنسيان "خطأ" العمر، كما عبرت عن ذلك "خ. نادية".
تختلف الأعمار وتتنوّع الأسباب والقصص لكن جميعهن يلتقين على رغبة واحدة ألا وهي البحث عن الأب البيولوجي للاعتراف بأولادهن، حتى يتمكن من إعطائه نسباً. فوجود الأب البيولوجي للولد يريح الأم العازبة من مشكلة إثبات نسب ابنها أو ابنتها، الذي ستحتاج إليها عند بلوغ الابن (والابنة) سنّ الدخول إلى المدرسة.
"خ. نادية"، البالغة من العمر 27 عاماً، رغم رعاية جمعية التضامن النسائي لها، ما زالت تعيش في دوامة من القلق الدائم، لكنها تتطلع إلى إكمال تعليمها لتحظى بعمل محترم يتيح لها تربية طفلها حسن.
شهادة "خ.نادية" تلتقي مع شهادات لأمهات عازبات بين المركز والشارع، بهدف إعادة النظر في المنطومة القانونية المغربية التي تجرم هذه الظاهرة، وإقرار قانون يحمي الأم العازبة ويوفر لها ضمانات قانونية.
كشفت دراسة نشرت في يونيو 2011 أن عدد الأمّهات العازبات بالمغرب يشهد تزايداً مهولاً. وأوضحت الدراسة، التي قامت بها جمعية التضامن النسائي، أن عدد الأمهات غير المتزوّجات من الشابات المغربيات عام 2009 هو 27200 أُمّ، بلغ ضعف عددهن عام 2008، إذ كان 11000. وأشارت الدراسة إلى أن نسبة الأمّهات الشابات تصل إلى 60% من مجموع الأمّهات العازبات واللواتي أعمارهن دون الـ26 سنة، بينما تبلغ نسبة الأمهات اللواتي أعمارهن دون الـ20 عاماً الثلث تقريباً.
وتفيد الدراسة نفسها التي أعدتها جمعية التضامن النسائي، بأن جهة مراكش تانسيفت تتصدر قائمة الأمّهات العازبات بـ3066 أُمّاً، تليها جهة سوس ماسة ذرعة بـ3062. فتأتي جهة الدار البيضاء الكبرى في المركز الثالث بـ2798. أما الصف الرابع فتحتله جهة تطوان طنجة بمجموع 2479 حالة. ثم جهة الرباط سلا زمور زعير بـ1974. وجاءت في المركز السادس جهة مكناس تافيلالت بـ1915، وفي المركز الأخير جهة وادي الذهب لكويرة بـ142 حالة.
إذا كانت الظاهرة في تزايد، فهذا يعني، بحسب هدى الراجي، المسؤولة الإدارية بجمعية التضامن النسائي، أن عمل الجمعيات وحده ليس كافياً، مؤكدةً أن كل الأطراف مطالبون بالتدخل العاجل لحماية المرأة المغربية من الأسباب التي تؤدي بها إلى ولوج عالم الأمّهات العازبات. ورأت أن توفير العيش الكريم والتعليم الجيد سيكون له دور نسبي في انخفاض الظاهرة.
برغم التطوّر الذي شهده مجال العمل المدني الداعم لهذه الفئة في المغرب، فإن الطريق ما زالت شاقة أمام المدافعين عن حقوق الأمّهات العازبات، لأن المجمتع المغربي ما زال جزءٌ كبيرٌ منه ينظر إليهن بازدراء واحتقار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق